جاءت رسالة الإسلام السَّمحة منهاجًا مبينًا للعالم أجمع، وحَملت في طيّاتها الخير الكثير الذي عمّت فضائله أرجاء الكون كله، ودعا في مواطنَ كثيرةٍ إلى التحلّي بالأخلاق الحميدة التي هي من صُلب هذا الدّين بل هي الغاية التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنّما بُعثت لأتمّم مكارم الأخلاق).
الأخلاق هيئة تُرسّخ في نفس الإنسان وتصدر من خلالها الأفعال، منها ما هو حسن ومنها ما هو سيئ، وقد تكون موجودةً لدى الإنسان بالفطرة أو أنه يستطيع أن يتحصّل عليها بالاكتساب وتقويم ما لديه منها؛ فيحافظ على صلاحها ظاهرًا وباطنًا لتغدو بواعثه سليمة من الداخل وتنعكس على الخارج بكل ما هو طيّب، وهناك من الأخلاق الحسنة ما شهد لها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ومنها : العفو والتسامح.
العفو والتسامحورد ذكر العفو في القرآن الكريم في مواضع عديدة حيث قال تعالى: (إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا) [النساء:149] وقال أيضًا: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [النور:22] وهذه الآيات إنما تدلّ على عِظَم مكانة من يتّصف بهذه الصفة؛ فالعفو أن يترفّع المرء عن معاقبة مَن يستحق العقوبة ويتركها مع قدرته على إيقاع العقوبة، طلبًا لمرضاة الله وعفوه وغفرانه وقربًا منه سبحانه، أمّا التسامح فهو عدم رد الإساءة بالإساءة، ويقترب معناه من العفو؛ إذ إنّ من وجوه التسامح العفو والتساهل والتجاوز، وخلوّ القلب من أي حقد أو غلّ دفين.
إنّ العفو والتسامح خُلُقان كريمان تحتاجهما النفس البشرية لتتخلّص من كل الشوائب التي قد تعلق في القلب من أثر الأذى، وكذلك لينعم الأفراد بالخير والحب وانشراح الصدر، وهما إنّما يتحقّقان بطولِ صبرٍ وكظمٍ للغيظ واحتساب الأجر عند الله سبحانه وتعالى، ولا ريب أنّ تغليب العفو والتسامح على العقاب ينجّي الأفراد من المنازعات الحادة التي قد تنشأ بينهم، إلّا إذا تمادى أصحاب الأذى مع كثرة العفو وتكرّر ظلمهم وإساءتهم؛ فَعَلى المسلم أن يكون فَطِنًا يَقدُر للأمور قدرها فيكون الإصلاح في هذه الحالة أولى من العفو والتسامح لدفع الضرر الحاصل.
آثار العفو والتسامح على الفرد والمجتمعالمقالات المتعلقة بموضوع عن العفو والتسامح